من العسير ربط مجتمع نسائيّ يشعّ طابعه ببدايات إنطلاقه بوقت ومكان معيّنين، ومحاولة تبويب الجداول الترفيهيّة للنساء خارج المنزل في هذه الفترة تعتبر محاولات فاشلة، ويرى البعض أنّ إطلاق كلمة المجالس على جميع أماكن التجمّعات النسائيّة هو مصطلح مناسب يشمل الإستراحات والنوادي والأسواق وحتى مكاتب العمل، وما يفتح الأبواب على مصارعها للتساؤلات والتحقيقات هو حرص النساء المفرط على إقامتها، فهل هذا الحرص نابع من إصلاح أساسات الأسر أم تقويضها؟
[] نتائج إستبيان:
أظهرت المحقّقة نتائج رصدها لآراء مجموعة كبيرة من النساء لما يدور في تلك المجالس فكانت كالتالي:
الحصيلة الكبرى التي تبلغ 75% يشغلن أوقاتهنّ بالدرجة الأولى في الكلام الهزليّ والضحك والأزياء والمأكولات والغيبة والمسلسلات والرقص، فيما ذكرت طائفة أنّ أغلب الوقت يمضي في الحديث عن الأسرة وشئونها، ويصل الى الحديث في الأسرار العائلية البحتة التي لاتقال، 15% من هؤلاء النساء، وهنّ كبيرات السن، يقضين الوقت في الأسئلة المتبادلة عن الأحوال والتطرّق للمشكلات وحلّها، وغالبا ما تكون متعلّقة بالأولاد ومتاعبهم، 10 % المتبقية لفئة تشغل المجالس بذكر الله وفي المسابقات وحفظ القرآن، ويتخلّلها إيجاد حلول لمشكلات إجتماعيّة، وتوصيات على البرّ والتقوى، والكفّ عما يغضب الله سبحانه، وتتّصف هذه المجالس بقلّتها وقصر أوقاتها، كما أنّ الأزمنة في ما بينها متباعدة.
[] الأسرار العائلية على الموائد:
إستفحلت دائرة وصف الحياة الأسريّة وأفرادها حتى لم يعد غطاء على آنيّته إلا ما قلّ وبات من المضحك المبكي أنّ آل عمار يعرفون لون ثوب ابن آل ياسر، وآل طارق يعرفون تسريحة شعر ابنة آل زيد، وعلى هذه الحال مضى السمّ في الدسم وشربه من شربه، ويبقى المرض المتمثّل في الزوجة الفاضحة متشبّثا في ظهر الزوج الذي لم تبق من سريره خافية الا أذاعتها، ولم يعد للعقل المستقبل سبيل لصرف الأسباب الداعية لهذا فيه الا أن نذكر حكم الشارع والله الهادي.
[] قالت وقلت لها:
* تقول الداعية حواء: لاشك أنّ المجالس بهذا الشكل قارض حيّ لحبال النجاة، وهذا النمط من الناس الذين وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرّ الناس في قوله: «إنّ من شرّ الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر أحدهما سر صاحبه» رواه مسلم.
بل إفشاء هذه الأسرار قد يؤدّي بالمرأة إلى النار كما روى الإمام أحمد في مسنده 3/353 وهذا عظيم عمت النساء عنه، عن جابر قال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفوفنا في صلاة الظهر أو العصر، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتناول شيئاً ثم تأخر فتأخر الناس فلما قضى الصلاة قال له أبي بن كعب شيئاً صنعته في الصلاة لم نكن نصنعه؟ قال: «عرضت على الجنة بما فيها من الزهرة والنضرة فتناولت منها طبقاً من عنب لآتيكم به فحيل بيني وبينه ولو آتيتكم به لأكل منه من بين السماء والأرض لا ينقصونه شيئاً ثم عرضت على النار فلما وجدت سقمها -يعني حرها- تأخرت عنها وأكثر من رأيت فيها النساء اللاتي إن إئتمن أفشين وإن يسألن بخلن وإن يسألن الحفن» أسأل الله حياة القلوب لنساء المسلمين ورجالهم. قال الله تعالى: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} [النساء: 34]
ولقد شفى الشيخ محمد الهبدان بتفصيلاته التي ذكرها عما يجوز قوله وما لا يجوز قوله من الحياة الاسرية في تحقيق سابق نقلته المحقّقة للفائدة نقلا فقط بقوله:
إفشاء أسرار الزوجيّة على أقسام:
=القسم الأوّل: أن تكون هذه الأسرار في ما يتعلّّق بأمور الإستمتاع بين الزوجين، ووصف التفاصيل الراجعة إلى الجماع وإفشاء ما يجري من المرأة من قول أو فعل حالة الوقع. فهذا الحديث فيها نوعان:
*النوع الأول: إذا كان الحديث بلا حاجة فلا يجوز الكلام فيها في المجالس للحديثين السابقين، قال الإمام النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم وفي هذا الحديث تحريم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين امرأته من أمور الإستمتاع ووصف تفاصيل ذلك وما يجري من المرأة فيه من قول أو فعل ونحوه، وقد مثل النبي صلى الله عليه وسلم الزوجين اللذين يتحدّثان عن أسرار الفراش كمثل شيطان وشيطانة تلاقيا في طريق ماء فجامعها بمرأى من الناس، فعن أسماء بنت يزيد أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم والرجال والنساء قعود عنده فقال: «لعل رجلا يقول ما يفعل بأهله، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها» فارم القوم -يعنى سكتوا ولم يجيبوا- فقلت: أي والله يا رسول الله، إنهنّ ليقلن وإنهم ليفعلون، قال: «فلا تفعلوا فإنما ذلك مثل لشيطان لقي شيطانة في طريق فغشيها والناس ينظرون»، فهذا نهي صريح عن كشف أسرار الفراش فكان هذا الكشف والإفشاء صورة جنسيّة معروضة في الطريق والفتنة الشيطانيّة المعروضة في الطريق العام تتوق إليها النفوس الآثمة، وتنفق في سبيل الحصول عليها الأموال الطائلة، كما أنّها نوع من المجاهرة، وسبب لتجرؤ السفهاء وإماطة اللثام عن الحياء.
*النوع الثاني: إن كان الحديث فيها لإثبات حق أو رفع ظلم كأن تكون أمام القاضي أو من إتفقا على أن يكون المصلح بينهما فتنكر المرأة نكاح الزوج لها، وتدعي عليه العجز عن الجماع، أو نحو ذلك، فهذا لا بأس بالحديث فيه لما يلي: روى البخاري في صحيحه، أن رجلاً إدعت عليه امرأته العنة فقال: والله يا رسول الله إني لأنقضها نقض الأديم ولكنها ناشز تريد رفاعة ولم ينكر عليه صلى الله عليه وسلم، روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي طلحة «أعرستم الليلة».
=القسم الثاني: إن كانت الأسرار في ما عدا ذلك فهو أيضاً على أنواع:
•-النوع الأول: إن كان الحديث في وصف الأزواج خلقياً فلا يجوز لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها» رواه البخاري، والمحذور نفسه موجود عند النساء فإذا إستغرقت المرأة في وصف زوجها وجماله وبهائه قد يحدث في نفوس الحاضرات ما لا تحمد عقباه من الحسد ونحوه.
•-النوع الثاني: إن كان الحديث في وصف الأزواج خلقياً فهو بين أمرين: الأول: إن كان الحديث ذماً: كوصفه بالبخل أو الجهل أو الغلظة فهذا لا يجوز إلا إذا كان على سبيل الشكاية لمن يريد الإصلاح كالقاضي ونحوه، لأنها من الغيبة والغيبة، كما هو معلوم ذكرك أخاك بما يكره وهي محرّمة، الثاني: إن كان الحديث مدحاً: فهذا على حسب المصلحة، إن كان في الحديث عن صفاته منفعة فلا بأس، وإلا فلا خوف من ترتّب المفاسد التي ذكرت في التحقيق المفيد التي أجرته المحرّرة وفقها الله تعالى، فإن قال قائل: حديث أم زرع وكلام النسوة في أزواجهنّ، فقد دار حديثان مدحاً وذماً في الأزواج والنبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر ذلك، ممّا يدلّ على جواز الحديث في مثل هذه الموضوعات؟ والجواب من وجوه: أولاً: أنّ الحديث جاء على هيئة الخبر، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يسمع ما تقول عائشة رضي الله عنها عن حال هؤلاء النسوة المجهولات وما دار بينهنّ من الحديث، ثانياً: القاعدة تقول: لا غيبة لمجهول، فالنساء لا يعرفن وكذا الأزواج لا يعرفون فهنا إنتفى المحذور.
ذكر النووي في شرح مسلم: قال: قال المازري: قال بعضهم: وفيه أنّ هؤلاء النسوة ذكرت بعضهن أزواجهن بما يكرهون، ولم يكن ذلك غيبة لكون السامعات لا يعرفن بأعيانهم أو أسمائهم، وإنما الغيبة المحرّمة أن يذكر إنساناً بعينه، أو جماعة بأعيانهم، قال المازري وإما يحتاج إلى هذا الإعتذار لو كان النبي صلى الله عليه وسلم سمع امرأة تغتاب زوجها، وهو مجهول فأقر على ذلك.. وأما هذه القضية فإنما حكتها عائشة عن نسوة مجهولات غائبات، لكن لو وصفت اليوم امرأة زوجها بما يكرهه، وهو معروف عند السامعين كان غيبة محرّمة، فإن كان مجهولا لا يعرف بعد البحث فهذا لا حرج فيه عند بعضهم كما قدمنا، ويجعله كمن قال: في العالم من يشرب أو يسرق. قال المازري: وفي ما قاله هذا القائل إحتمال قال القاضي عياض: صدق القائل المذكور فإنّه إذا كان مجهولاً عند السامع ومن يبلغه الحديث عنه لم يكن غيبة، لأنه لا يتأذى إلا بتعيينه، قال: وقد قال إبراهيم: لا يكون غيبة ما لم يسم صاحبها بإسمه، أو ينبّه عليه بما يفهم به عنه، وهؤلاء النسوة مجهولات الأعيان والأزواج لم يثبت لهن إسلام فيحكم فيهن بالغيبة لو تعيّن، فكيف مع الجهالة والله أعلم.
وأخيراً لابد أن تعلم المرأة المسلمة أن حفظ السر بحد ذاته من الفضائل والكمالات، وإفشاءه من المثالب والأخطاء والعيوب، يقول الماوردي في الإسترسال بإبداء السر دلائل على ثلاث أحوال مذمومة:
-إحداها: ضيق الصدر وقلة الصبر حتى أنه لم يتسع للسر ولم يقدر على صبر، وقال الشاعر في ذلك:
إن المرء أفشى سره بلسانه *** ولا عليه غيره فهو أحمق
إذا ضاق صدر المرء عن سر نقدمه *** فصدر الذي يستودع السر أضيق
-الثانية: الغفلة عن تحذّر العقلاء، والسهو عن يقظة الأذكياء، وقال بعض الحكماء: إنفرد بسرك ولا تودعه حازماً فيزل ولا جاهلاً فيخون.
-الثالثة: ما إرتكبه من الغرر، واستعمله من الخطر، وقد قال بعض الحكماء: سرك من دمك فإذا تكلمت به فقد أرقته، ولقد أدى إفشاء الحديث الذي أسره النبي صلى الله عليه وسلم إلى حفصة ونقلته إلى عائشة وما تبع ذلك من تآمر ومكايدات في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إعتزال النبي صلى الله عليه وسلم نساءه شهراً من شدّة ما وجده، وفي ذلك يقول الله تعالى: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} [التحريم:3]، ثم يواجه المرأتين بخطئهما ويدعوهما إلى التوبة لتعود قلوبهما إلى الله بعد أن بعدت عنه بما كان منهما، وإلا فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم:4]، إن في هذا الحادث لتوجيهاً بليغاً للمرأة المسلمة بقيمة حفظ سر زوجها وأثر هذا الحفظ في إستقرار النفوس والضمائر والبيوت، فهل تعي ذلك نساؤنا؟ أسال الله تعالى ذلك وأن يستر عوراتنا ويؤمن روعاتنا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الكاتب: قويت الشلهوب.
المصدر: موقع رسالة المرأة.